السبت، 2 ديسمبر 2017

الأكاديمية البربرية (الأمازيغية ) والعلم الامازيغي بين الحقيقة التاريخية والشبهات السياسية : الجزء الأول :


بقلم: مصطفى صامت


هل ما يروج عن الأكاديمة الامازيغية بأنها تأسست في فرنسا لخدمة مصالح فرنسية في الجزائر صحيح أم أنه مجرد أشاعات لتشويه النظال الأمازيغي الذي يهدد مصالح بعض الاديولوجيات المسيطرة في الجزائر ؟

طالعت مقالا في موقع الحياة العربية بقلم الدكتور عثمان سعدي تحت عنوان رئيسي “الأكاديمية البربرية في باريس حاولت تشويه الأمازيغية والقبائلية ” (01) حيث أراد فيه تخويف الجزائريين مثل عادته من المشروع الفرنسي في الجزائر المتمثل في الامازيغية حسب قوله وهو الخطاب الذي ظل يردده منذ عقود ولأن الكثير من شبابنا ينشرون بعض هذه الافكار التي ضخموها دون وعي عبر بعض المنتديات والمواقع وحتى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف العروبية في الجزائر حتى سلم البعض بأن الاكاديمية البربرية صناعة فرنسية وصهيونية وربما ماسونية في المستقبل القريب , على سنة الجهل المقدس والمؤامرة الماسونية ضد الاسلام والعروبة .

لهذا أحببنا أن نرد على بعض المغالطات في المسألة بما تيسر لنا ومحاولة قراءة الموضوع من زاوية عقلانية تاريخية موضوعية بتسمية الاشياء بمسمياتها .

اولا : على الجميع أن يفقه في المصطلحات لان مصطلح ” علم الأمازيغ ” لا يعني أنه علم لدولة ما أو كيان يريد الانفصال عن دولة ما كما يعتقد البعض ، وهو ليس بعلم فرحات مهني لحركة الماك التي ظهرت بعد أحداث الربيع الأمازيغي الأسود 2001 ، بل ما يحمله الامازيغ هو راية ثقافية ليست سياسية بالمصطلح الرسمي صنعت لأول مرة في وادية ولاية تيزي وزو في الجزائر من طرف المجاهد محند أعراف بوسعود , لكن بسبب النظام الدكتاتوري الذي كان يحارب الامازيغية لم تظهر الى العلن وبشكل رسمي حتى جسدت ذلك الأكاديمية البربرية في السبعينيات، وهذا للاشارة الى الشعوب الامازيغية التي تسكن في شمال افريقيا وثقافتها من دلتا النيل في مصر الى غاية جزر الكناري غربا، ومن البحر الابيض المتوسط الى غاية تخوم الصحراء في مالي والنيجر وبوركينافاسو جنوبا، وهذه الرقعة الجغرافية الشاسعة هي في الحقيقة بمثابة قارة أمازيغية اطلق عليها تسمية ” تمازغا ” تترجمها الالوان الاربعة في هذا العلم ، الازرق = البحر الابيض المتوسط ، الاخضر = السهول والجبال ، الاصفر = الصحراء ، الاحمر لون الدماء التي سالت في سبيل تحرير هذه الارض من الغزاة على مر القرون وهذا اللون الذي يعبر عنه حرف الياز (ز،z،ⵣ ) وهو أحد حروف الابجدية الامازيغية اختير هو من بين حرف أبجدية التيفيناغ لانه يتوسط كلمة “أمازيغ “، “ⴰ ⵎ ⴰ ⵣ ⵉ ⵖ” ، “amazigh” و كذا كلمة” إزوران” ، “ⵉ ⵣ ⵓ ⵔ ⴰ ⵏ” ، ” Izuran” التي تعني الجذور.

لقد رفع هذا العلم لاول مرة أثناء الربيع الامازيغي في الجزائر سنة 1980, الذي حرك الوعي الامازيغي في كل شمال افريقيا والعالم ، ويجب أن نشير كذلك الا أن هذه الراية لا تعبر عن الناطقين بالامازيغة في شمال افريقيا فقط ، بل الى كل سكان هذه الرقعة ” تمازغا ” لان كل من يسكنها (شمال افريقيا) هو امازيغي بالدم أو بالارض، وقد تمت المصادقة على العلم الامازيغي من طرف الكونغرس العالمي الأمازيغي عام 1996 بمدينة تافيرا بجزيرة لاس بالماس بجزر الكناري والتي تعرف تواجدا أمازيغيا منذ القدم تحت مسمى الغوانش ، باتخاذ هذه الراية كإحدى الرموز التي تشير الى الهوية والثقافة الامازيغة في العالم والذي انتشر بعد ذلك في كل العالم، فاتخذته كل التنظيمات الامازيغة وشهدناه في ملاعب الجزائر والمغرب بل حتى في ملاعب العالم وتظاهرات عالمية في كندا واروبا ، وكان حاضرا ايضا في ما يسمى بالربيع العربي في ليبيا حيث كان امازيغ ليبيا السباقون للانتفاضة ضد نظام القذافي الدكتاتوري المضطهد للامازيغة ،وقد خصص يوم 30 أوت من كل سنة كيوم عالمي للعلم الأمازيغي .

تأسيس الأكاديمية البربرية :

تأسست الاكاديمية البربرية بفرنسا سنة 1966 من طرف عبد القادر رحماني، ونوابه وهم خليفاتي محمد أمقران،عمار نقادي، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، الكاتب العام هو أولحبيب جعفر، وليس من طرف بسعود محمد أعراب فقط كما يشاع ، بل هو أمين مال الجمعية وليس الاكاديمة فيجب أن نشير هنا أن ما يسمى بالاكاديمة هو مجرد جمعية ثقافية متواضعة اسمها بالامازيغية “أڤ—رَاوْ إيمَازيغنْ” أي التجمع الأمازيغي ، أمّا كلمة “الأكاديمية” فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها، وهذا ما صرح به أحد الاعضاء البارزين بسعود محند أعراب في كتابه “تاريخ الأكاديمية البربرية” كما صرح كذلك على أن الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا .

حصلت الجمعية سنة 1967 على الاعتماد الرسمي تحت اسم Academie Berbére D echanges et de Recherches Culturels A.B.E.R.C أي الأكاديمية البربرية للتّبادل و البحث الثّقافي وجاء قرار الإعتماد بتاريخ 21 فبراير 1967 و فقا لقانون إنشاء الجمعيات الأجنبية الصّادر بتاريخ 12 أفريل 1939 المعدّل لقانون الجمعيات الصّادر بتاريخ 01 جويلية 1901، لكن لم يكن لها دور الاكاديمة بالمعنى الرسمي للكلمة ،أي أنها لم يكن لها خبراء في المجالات التي يتطلبها التنظيم الاكاديمي ،كانت فكرة الجمعية التي أسسها مجموعة من المثقفين الجزائريين وأغلبهم من منطقة القبائل الامازيغية من الجالية الجزائرية في فرنسا تتأسس على النهوض بالثقافة واللغة الامازيغة ونشر الوعي الامازيغي في شمال افريقيا، فقامت الاكاديمة باحياء الكتابة الأبجدية الامازيغة التيفيناغ والتعديل عليها للتناسب اللسان الأمازيغي الحالي، حتى ابداع بعض الحروف للتعبير على بعض الأصوات المنطوقة في اللسان القبائلي الامازيغي ولمواكبة التطورات الحاصلة في العالم كون التيفيناغ المنقوشة في صخور التاسلي كانت تعبر عن الحياة اليومية للامازيغ في حقبة زمنية قديمة تختلف كثيرا عن عصرنا الحالي ، وهذا أمر طبيعي وقع مع كل لغات العالم ومنها العربية.

لماذا تأسست الأكاديمة في فرنسا وليس في الجزائر؟ :

السبب بسيط جدا وهو أن النظام الجزائري بعد الاستقلال، بن بلة و بومدين كان بعثي الايديلوجية شمولي استبدادي ودكتاتوري وكان يضطهد الامازيغية ونشاطائها ، فقد عمل الرئيس بن بلة رحمه الله على تكريس العروبة في الجزائر بطلب من جمال عبد الناصر المروج لمشروع القومية العربية البعثية ، وبن بلة هو صاحب المقولة المستفزة (نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب) وبدل أن يكون رئيس لكل الجزائريين والعمل على الحفاظ على كل الألوان والأطياف الثقافية في الجزائر الغنية فضل معاداة الامازيغية ثقافيا ولغويا وتاريخيا وقام باستيراد سياسية عروبية من مصر الناصرية ، وبالغ في معادة الهوية الامازيغية الجزائرية ، ربما لتمرد منطقة القبايل على حكمه وإفشال محاولتين للانقلاب عليه من منطقة القبايل ،المخطط الانقلابي الذي قاده كريم بلقاسم ثم حسين ايت احمد ومحند اولحاج ثم تحالف قادة منطقة القبايل في الانقلاب الذي خطط له العقيد شعباني ضد حكم بن بلة ايضا (02).

وقد ازدادت سياسية الاقصاء والاضطهاد ضد الامازيغية في الجزائر بشكل رهيب في عهد الديكتاتوري بومدين الذي انقلب على صانعه بن بلة وقام بومدين بإدراج الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، كما جمد عمل الاذاعة المحلية لمنطقة القبايل ومنع الاذاعة الثانية الناطقة بالقبائلية من تزويدها بالمعدات التقنية اللازمة لتوسيع موجتها لتمكين الجزائريين من التقاطها في كامل التراب الوطني، كما منعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، وهي عضو في الاكاديمية ايضا وكذلك أخوها جان لموهوب الذي قدم الكثير للامازيغية ، كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.

وأكثر من ذلك منع حتى الحفلات الغنائية الامازيغية في منطقة القبايل وقام بتغير اسم شبيبة القبايل الى “جمعية إلكترونيك تيزي وزو” بعد أن سمع الكثير من الشعارات المعادية له والأصوات المطالبة بالاعتراف بالامازيغة فوق مدرجات ملعب 5 جويلية بالعاصمة حيث حضر بومدين نهائي الكأس التي جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977،كل هذا وذاك جعل مثقفي ومناضلي منطقة القبايل يختارون المهجر خوفا من القتل والسجن وتأسيس جمعية أكراو إمازيغن التي تحولت الى الاكاديمية الامازيغية اسميا فيما بعد ، ورغم ذلك فقد تبعتهم سياسية بومدين الدكتاتورية الى فرنسا حيث أجبر بومدين الحكومة الفرنسية بغلق الاكاديمة في فرنسا وطرد أحد أعضائها الناشطين محند اعرب بوسعود من التراب الفرنسي مما دفعه اللجوء الى بريطانيا حتى وفاته هناك ، وطبعا لم تكن فرنسا لترفض قرار بومدين الذي سيؤدي الى تضرر العلاقات بين البلدين خاصة وأن بومدين كانت له علاقات جيدة مع فرنسا كونه من جماعة وجدة التي انقلبت على الشرعية الثورية بتخطيط مصري-فرنسي ثانيا لانه اول رئيس جزائري يستقبل الرئيس الفرنسي في الجزائربعد 13 عام فقط من خروج فرنسا من الجزائر، وكانت الزيارة ممتدة من 10 الى 12 أفريل 1975 .

ثالثا : لانه سمح لفرنسا بابقاء جيشها في صحراء الجزائر الى غاية سنة 1978 منتهكا بذلك اتفاقيات افيان .(03)

أما الاصوات التي تتهم انصار هذه الاكاديمة بالعمالة لفرنسا فقط لانهم أسسوها هناك فنحن نسألهم بدورنا لماذا لا يتجرؤون على أن يتهموا أعضاء الحركة الوطنية بالعمالة أو الخيانة حينما أسسوا نجم شمال افريقيا في فرنسا وكان 85 بالمئة من مؤسسه من منطقة القبائل وهو الحزب الذي فجر العمل المسلح فيما بعد، كما لم نسمع كذلك كلام مشابه عن جمعية العلماء المسلمين التي تأسست في الجزائر الفرنسية باعتماد فرنسي ؟ ولما لم يتهموا كذلك المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان اضطرا إلى الفرار إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة “العروة الوثقى” ؟
و لما لا احد يقول نفس الكلام عن العروبة التي تأسست على يد فرنسا ؟
أليست فرنسا من قامت بتأسيس الجامعة الياسوعية في لبنان عام 1875 عن طريق ياسوعيين والتي كانت نواة تعريب الأولى المراونة (طائفة مسيحية) وتأسيس الجمعية العربية على يد مسيحيي لبنان وسوريا هي جمعية سياسية قومية عربية سرية أنشأها مجموعة من الطلاب العرب في باريس عام 1909م. والتي أثرت على الفكر القومي العربي ومهدت للمؤتمر العربي في باريس كذلك عام 1913 وأسهمت في التمهيد للثوره العربيه التي انطلقت في الحجاز عام 1916ضد الخلافة العثامية الاسلامية ؟.

لا احد من الذين يتهجمون على الاكاديمية البربرية يتحدث كذلك على أن مؤسسي العروبة درسوا في فرنسا ومنهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي الذين درسوا في المدارس الفرنسية تحت الإنتداب الفرنسي لسوريا واكملوا دراستهم في جامعة السوربون.

وأن فرنسا هي من دعمت العروبة في شمال إفريقياً سواء على المستوى اللغوي أو الإقتصادي أو السياسي، فمثلاً سمت مكاتب البلدية في الدزاير بالمكاتب العربية واضافت اللغة العربية (بطلب من جمعية العلماء المسلمين) كلغة إختيارية واسس مؤرخوها وباحثوها عداوة مع الأمازيغ والأمازيغية أمثال جاك بيرك الذي قال بأن “الفرنسية تتم عن طريق التعريب” و جاك بيرك الذي عمل فيما بعد مشرفاً على معهد اللغة العربية في لبنان! ويعتبر أول من ترجم القرأن إلى الفرنسية والذي عندما خرج المورسكيون في موراكوش يتهمون فرنسا بـِ “الضهير البربري” الوهمي صنعته فرنسا وطبل له العروبيين خرج جاك بيرك قائلاً بأن “فرنسا لا نية لها في بربرستان” واصفاً الأمازيغ بـِ “المتوحشين الطيبيين”.

بل حتى أن المجاهد عبد الحميد مهري اعترف أن التعريب في الجزائر بعد الاستقلال فرض علينا من طرف الرئيس الفرنسي ديغول . (04)

ونشير كذلك الى أن فكرة الوطن القومي للعرب كانت فكرة فرنسية فنابليون الثالث أعلن نفسه ملكاً على العرب وكان حلمه تأسيس مملكة عربية من الدزاير إلى مصر بإدارة عبد القادر الجزائري ولكن خسارة نابليون أمام الجيش الروسي حد من أحلامه! ويمكن الإطلاع على كتاب “المملكة المستحيلة – فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث” لـِ الكاتب هنري لورنس وكيف كان نابليون الأول من أوائل من كانوا يدعون لـِ “نزعة عربية وطنية” اثناء حملته على مصر ثم التدخل في الأزمة اللبنانية عام 1860 والدعوة لمملكة عربية في الشام!. (05)

وفرنسا كذلك هي نفسها من قامت عام 1980 بتأسيس معهد العالم العربي القائم على القانون الفرنسي واتفاقية بين فرنسا و18 دولة ، لماذا لا يقول أحد أن العروبة صناعة فرنسية وأن مؤسسي البعث العروبي عملاء لفرنسا وبريطانيا والغرب الذي جند العرب للمحاربة والقضاء على الخلافة العثمانية الاسلامية عن طريق فيروس القومية العربية البعثية في ايطار ما يسمى بالحرب العربية الكبرى ضد العثمانيين ؟ رغم أن هذه الحقيقة موثقة تاريخيا لايختلف فيها اثنان ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق